June 15, 2009

صحيح البخاري – كتاب أحاديث الأنبياء – حديث 3424

Posted in Islam at 10:33 pm by Ahmad Salafi

باب (40) قول الله تعالى ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه     أحاديث الأنبياء     صحيح البخاري

‏ ‏حدثنا ‏ ‏خالد بن مخلد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏مغيرة بن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏قال ‏ ‏سليمان بن داود ‏ ‏لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تحمل كل امرأة فارسا يجاهد في سبيل الله فقال له صاحبه إن شاء الله فلم يقل ولم تحمل شيئا إلا واحدا ساقطا أحد شقيه فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لو قالها لجاهدوا في سبيل الله ‏قال ‏ ‏شعيب ‏ ‏وابن أبي الزناد ‏ ‏تسعين ‏ ‏وهو أصح ‏
فتح الباري بشرح صحيح البخاري

‏قَوْله : ( حَدَّثَنَا مُغِيرَة بْن عَبْد الرَّحْمَن ) ‏
‏هُوَ الْحِزَامِيّ وَلَيْسَ بِالْمَخْزُومِيِّ , وَاسْم جَدّ الْحِزَامِيّ عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن حِزَام , وَاسْم جَدّ الْمَخْزُومِيّ الْحَارِث بْن عَبْد اللَّه . ‏

‏قَوْله : ( قَالَ سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ لَأَطَّوَّفَن اللَّيْلَة ) ‏
‏فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي ” لِأُطِيفَن ” وَهُمَا لُغَتَانِ . طَافَ بِالشَّيْءِ وَأَطَافَ بِهِ إِذَا دَارَ حَوْله وَتَكَرَّرَ عَلَيْهِ , وَهُوَ هُنَا كِنَايَة عَنْ الْجِمَاع , وَاللَّام جَوَاب الْقَسَم وَهُوَ مَحْذُوف , أَيْ وَاَللَّه لَأَطَّوَّفَن , وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي آخِره ” لَمْ يَحْنَث ” لِأَنَّ الْحِنْث لَا يَكُون إِلَّا عَنْ قَسَم , وَالْقَسَم لَا بُدّ لَهُ مِنْ مُقْسَم بِهِ . ‏

‏قَوْله : ( عَلَى سَبْعِينَ اِمْرَأَة ) ‏
‏كَذَا هُنَا مِنْ رِوَايَة مُغِيرَة , وَفِي رِوَايَة شُعَيْب كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور ” فَقَالَ تِسْعِينَ ” وَقَدْ ذَكَرَالْمُصَنِّف ذَلِكَ عَقِب هَذَا الْحَدِيث وَرَجَّحَ تِسْعِينَ بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاة عَلَى سَبْعِينَ وَذَكَر أَنَّ اِبْن أَبِي الزِّنَاد رَوَاهُ كَذَلِكَ . قُلْت : وَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَاد فَقَالَ : ” سَبْعِينَ ” وَسَيَأْتِي فِي كَفَّارَة الْأَيْمَان مِنْ طَرِيقه وَلَكِنْ رَوَاهُ مُسْلِم عَنْ اِبْن أَبِي عُمَر عَنْ سُفْيَان فَقَالَ : ” سَبْعِينَ ” بِتَقْدِيمِ السِّين , وَكَذَا هُوَ فِي ” مُسْنَد الْحُمَيْدِيّ ” عَنْ سُفْيَان , وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ رِوَايَة وَرْقَاء عَنْ أَبِي الزِّنَاد , وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن حِبَّانَ مِنْ طَرِيق هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِي الزِّنَاد قَالَ : ” مِائَة اِمْرَأَة ” وَكَذَا قَالَ طَاوُسٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور , مِنْ رِوَايَة مَعْمَر , وَكَذَا قَالَ أَحْمَد عَنْ عَبْد الرَّزَّاق مِنْ رِوَايَة هِشَام بْن حُجَيْر عَنْ طَاوُسٌ ” تِسْعِينَ ” وَسَيَأْتِي فِي كَفَّارَة الْأَيْمَان , وَرَوَاهُ مُسْلِم عَنْ عَبْد بْن حُمَيْدٍ عَنْ عَبْد الرَّزَّاق فَقَالَ : ” سَبْعِينَ ” وَسَيَأْتِي فِي التَّوْحِيد مِنْ رِوَايَة أَيُّوب عَنْ اِبْن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ” كَانَ لِسُلَيْمَان سِتُّونَ اِمْرَأَة ” وَرَوَاهُ أَحْمَد وَأَبُو عَوَانَة مِنْ طَرِيق هِشَام عَنْ اِبْن سِيرِينَ فَقَالَ : ” مِائَة اِمْرَأَة ” وَكَذَا قَالَ عِمْرَان بْن خَالِد عَنْ اِبْن سِيرِينَ عِنْد اِبْن مَرْدَوَيْهِ , وَتَقَدَّمَ فِي الْجِهَاد مِنْ طَرِيق جَعْفَر بْن رَبِيعَة عَنْ الْأَعْرَج فَقَالَ : ” مِائَة اِمْرَأَة أَوْ تِسْع وَتِسْعُونَ ” عَلَى الشَّكّ , فَمُحَصَّل الرِّوَايَات سِتُّونَ وَسَبْعُونَ وَتِسْعُونَ وَتِسْع وَتِسْعُونَ وَمِائَة , وَالْجَمْع بَيْنهَا أَنَّ السِّتِّينَ كُنَّ حَرَائِر وَمَا زَادَ عَلَيْهِنَّ كُنَّ سِرَارِي أَوْ بِالْعَكْسِ , وَأَمَّا السَّبْعُونَ فَلِلْمُبَالَغَةِ , وَأَمَّا التِّسْعُونَ وَالْمِائَة فَكُنَّ دُون الْمِائَة وَفَوْق التِّسْعِينَ فَمَنْ قَالَ تِسْعُونَ أَلْغَى الْكَسْر وَمِنْ قَالَ مِائَة جَبَرَهُ وَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ التَّرَدُّد فِي رِوَايَة جَعْفَر , وَأَمَّا قَوْل بَعْض الشُّرَّاح : لَيْسَ فِي ذِكْر الْقَلِيل نَفْي الْكَثِير وَهُوَ مِنْ مَفْهُوم الْعَدَد وَلَيْسَ بِحُجَّة عِنْد الْجُمْهُور فَلَيْسَ بِكَافٍ فِي هَذَا الْمَقَام , وَذَلِكَ أَنَّ مَفْهُوم الْعَدَد مُعْتَبَر عِنْد كَثِيرِينَ وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ حَكَى وَهْب بْن مُنَبِّه فِي ” الْمُبْتَدَأ ” أَنَّهُ كَانَ لِسُلَيْمَان أَلْف اِمْرَأَة ثَلَاثمِائَةِ مَهِيرَة وَسَبْعمِائَةِ سُرِّيَّة , وَنَحْوه مِمَّا أَخْرَجَ الْحَاكِم فِي ” الْمُسْتَدْرَك ” مِنْ طَرِيق أَبِي مَعْشَر عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ لِسُلَيْمَان أَلْف بَيْت مِنْ قَوَارِير عَلَى الْخَشَب فِيهَا ثَلَثمِائَةِ صربحة وَسَبْعمِائَةِ سُرِّيَّة . ‏

‏قَوْله : ( تَحْمِل كُلّ اِمْرَأَة فَارِسًا يُجَاهِد فِي سَبِيل اللَّه ) ‏
‏هَذَا قَالَهُ عَلَى سَبِيل التَّمَنِّي لِلْخَيْرِ , وَإِنَّمَا جَزَمَ بِهِ لِأَنَّهُ غَلَبَ عَلَيْهِ الرَّجَاء , لِكَوْنِهِ قَصَدَ بِهِ الْخَيْر وَأَمْر الْآخِرَة لَا لِغَرَضِ الدُّنْيَا . قَالَ بَعْض السَّلَف : نَبَّهَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيث عَلَى آفَة التَّمَنِّي وَالْإِعْرَاض عَنْ التَّفْوِيض , قَالَ : وَلِذَلِكَ نَسِيَ الِاسْتِثْنَاء لِيَمْضِيَ فِيهِ الْقَدْر . ‏

‏قَوْله : ( فَقَالَ لَهُ صَاحِبه : إِنْ شَاءَ اللَّه ) ‏
‏فِي رِوَايَة مَعْمَر عَنْ طَاوُسٍ الْآتِيَة ” فَقَالَ لَهُ الْمَلَك ” وَفِي رِوَايَة هِشَام بْن حُجَيْر ” فَقَالَ لَهُ صَاحِبه , قَالَ سُفْيَان يَعْنِي الْمَلَك ” وَفِي هَذَا إِشْعَار بِأَنَّ تَفْسِير صَاحِبه بِالْمَلَكِ لَيْسَ بِمَرْفُوعِ , لَكِنْ فِي ” مُسْنَد الْحُمَيْدِيّ ” عَنْ سُفْيَان ” فَقَالَ لَهُ صَاحِبه أَوْ الْمَلَك ” بِالشَّكِّ , وَمِثْلهَا لِمُسْلِمِ , وَفِي الْجُمْلَة فَفِيهِ رَدّ عَلَى مَنْ فَسَّرَ صَاحِبه بِأَنَّهُ الَّذِي عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب , وَهُوَ آصِف بِالْمَدِّ وَكَسْر الْمُهْمَلَة بَعْدهَا فَاءَ اِبْن بَرْخِيَا بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَة وَسُكُون الرَّاء وَكَسْر الْمُعْجَمَة بَعْدهَا تَحْتَانِيَّة . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي قَوْله : ” فَقَالَ لَهُ صَاحِبه أَوْ الْمَلَك ” إِنْ كَانَ صَاحِبه فَيَعْنِي بِهِ وَزِيره مِنْ الْإِنْس وَالْجِنّ , وَإِنْ كَانَ الْمَلَك فَهُوَ الَّذِي كَانَ يَأْتِيه بِالْوَحْيِ , وَقَالَ : وَقَدْ أَبْعَد مَنْ قَالَ الْمُرَاد بِهِ خَاطِره . وَقَالَ النَّوَوِيّ : قِيلَ : الْمُرَاد بِصَاحِبِهِ الْمَلَك , وَهُوَ الظَّاهِر مِنْ لَفْظه , وَقِيلَ : الْقَرِين , وَقِيلَ : صَاحِب لَهُ آدَمِيّ . قُلْت : لَيْسَ بَيْن قَوْله صَاحِبه وَالْمَلَك مُنَافَاة , إِلَّا أَنَّ لَفْظَة ” صَاحِبه ” أَعَمّ , فَمِنْ ثَمَّ نَشَأَ لَهُمْ الِاحْتِمَال , وَلَكِنّ الشَّكّ لَا يُؤَثِّر فِي الْجَزْم , فَمَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ الْمَلَك حُجَّة عَلَى مَنْ لَمْ يَجْزِم . ‏

‏قَوْله : ( فَلَمْ يَقُلْ ) ‏
‏قَالَ عِيَاض : بُيِّنَ فِي الطَّرِيق الْأُخْرَى بِقَوْلِهِ : ” فَنَسِيَ ” . قُلْت : هِيَ رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ عَنْ شَيْخه , وَفِي رِوَايَة مَعْمَر قَالَ : ” وَنَسِيَ أَنْ يَقُول إِنْ شَاءَ اللَّه ” وَمَعْنَى قَوْله : ” فَلَمْ يَقُلْ ” أَيْ بِلِسَانِهِ لَا أَنَّهُ أَبَى أَنْ يُفَوِّض إِلَى اللَّه بَلْ كَانَ ذَلِكَ ثَابِتًا فِي قَلْبه , لَكِنَّهُ اِكْتَفَى بِذَلِكَ أَوَّلًا وَنَسِيَ أَنْ يُجْرِيه عَلَى لِسَانه لَمَّا قِيلَ لَهُ لِشَيْءِ عَرَضَ لَهُ . ‏
‏قَوْلُهُ : ( فَطَافَ بِهِنَّ ) فِي رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَة , ” فَأَطَافَ بِهِنَّ ” وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهه . ‏

‏قَوْله : ( إِلَّا وَاحِدًا سَاقِطًا أَحَد شِقَّيْهِ ) ‏
‏فِي رِوَايَة شُعَيْب ” فَلَمْ يَحْمِل مِنْهُنَّ إِلَّا اِمْرَأَة وَاحِدَة جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُل ” وَفِي رِوَايَة أَيُّوب عَنْ اِبْن سِيرِينَ ” وَلَدَتْ شِقّ غُلَام ” وَفِي رِوَايَة هِشَام عَنْهُ ” نِصْف إِنْسَان ” وَهِيَ رِوَايَة مَعْمَر , حَكَى النَّقَّاش فِي تَفْسِيره أَنَّ الشِّقّ الْمَذْكُور هُوَ الْجَسَد الَّذِي أُلْقِيَ عَلَى كُرْسِيّه , وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْل غَيْر وَاحِد مِنْ الْمُفَسِّرِينَ إِنَّ الْمُرَاد بِالْجَسَدِ الْمَذْكُور شَيْطَان وَهُوَ الْمُعْتَمَد , وَالنَّقَّاش صَاحِب مَنَاكِير . ‏

‏قَوْله : ( لَوْ قَالَهَا لَجَاهَدُوا فِي سَبِيل اللَّه ) ‏
‏فِي رِوَايَة شُعَيْب ” لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّه ” وَزَادَ فِي آخِره ” فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ ” وَفِي رِوَايَة اِبْن سِيرِيَ ” لَوْ اِسْتَثْنَى لَحَمَلَتْ كُلّ اِمْرَأَة مِنْهُنَّ فَوَلَدَتْ فَارِسًا يُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه ” وَفِي رِوَايَة طَاوُسٍ ” لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّه لَمْ يَحْنَث وَكَانَ دَرَكًا لِحَاجَتِهِ ” كَذَا عِنْد الْمُصَنِّف مِنْ رِوَايَة هِشَام بْن حُجَيْر , وَعِنْد أَحْمَد وَمُسْلِم مِثْله مِنْ رِوَايَة مَعْمَر , وَعِنْد الْمُصَنِّف مِنْ طَرِيق مَعْمَر ” وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِهِ ” وَقَوْله : ” دَرَكًا ” بِفَتْحَتَيْنِ مِنْ الْإِدْرَاك وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( لَا تَخَاف دَرَكًا ) أَيْ لَحَاقًا , وَالْمُرَاد أَنَّهُ كَانَ يَحْصُل لَهُ مَا طَلَبَ وَلَا يَلْزَم مِنْ إِخْبَاره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فِي حَقّ سُلَيْمَان فِي هَذِهِ الْقِصَّة أَنْ يَقَع ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ اِسْتَثْنَى فِي أُمْنِيَّته , بَلْ فِي الِاسْتِثْنَاء رُجُوّ الْوُقُوع وَفِي تَرْك الِاسْتِثْنَاء خَشْيَة عَدَم الْوُقُوع , وَبِهَذَا يُجَاب عَنْ قَوْل مُوسَى لِلْخَضِرِ ( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّه صَابِرًا ) مَعَ قَوْل الْخَضِر لَهُ آخِرًا ( ذَلِكَ تَأْوِيل مَا لَمْ تَسْطَع عَلَيْهِ صَبْرًا ) وَفِي الْحَدِيث فَضْل فِعْل الْخَيْر وَتَعَاطِي أَسْبَابه , وَأَنْ كَثِيرًا مِنْ الْمُبَاح وَالْمَلَاذّ يَصِير مُسْتَحَبًّا بِالنِّيَّةِ وَالْقَصْد . وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب الِاسْتِثْنَاء لِمَنْ قَالَ سَأَفْعَلُ كَذَا , وَأَنَّ إِتْبَاع الْمَشِيئَة الْيَمِين يَرْفَع حُكْمهَا , وَهُوَ مُتَّفَق عَلَيْهِ بِشَرْطِ الِاتِّصَال , وَسَيَأْتِي بَيَان ذَلِكَ فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور مَعَ بَسْط فِيهِ . وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيث مَنْ قَالَ : الِاسْتِثْنَاء إِذَا عَقَبَ الْيَمِين وَلَوْ تَخَلَّلَ بَيْنهمَا شَيْء يَسِير لَا يَضُرّ , فَإِنَّ الْحَدِيث دَلَّ عَلَى أَنَّ سُلَيْمَان لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّه عَقِبَ قَوْل الْمَلَك لَهُ قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّه لَأَفَادَ مَنْعَ التَّخَلُّل بَيْن كَلَامَيْهِ بِمِقْدَارِ كَلَام الْمَلَك , وَأَجَابَ الْقُرْطُبِيّ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون الْمَلَك قَالَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاء كَلَام سُلَيْمَان , وَهُوَ اِحْتِمَال مُمْكِن يَسْقُط بِهِ الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور . وَفِيهِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاء لَا يَكُون إِلَّا بِاللَّفْظِ وَلَا يَكْفِي فِيهِ النِّيَّة . وَهُوَ اِتِّفَاق إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْض الْمَالِكِيَّة . وَفِيهِ مَا خَصَّ بِهِ الْأَنْبِيَاء مِنْ الْقُوَّة عَلَى الْجِمَاع الدَّالّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّة الْبِنْيَة وَقُوَّة الْفُحُولِيَّة وَكَمَال الرُّجُولِيَّة مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ الِاشْتِغَال بِالْعِبَادَةِ وَالْعُلُوم . وَقَدْ وَقَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ أَبْلَغ الْمُعْجِزَة لِأَنَّهُ مَعَ اِشْتِغَاله بِعِبَادَةِ رَبّه وَعُلُومه وَمُعَالَجَة الْخَلْق كَانَ مُتَقَلِّلًا مِنْ الْمَآكِل وَالْمَشَارِب الْمُقْتَضِيَة لِضَعْفِ الْبَدَن عَلَى كَثْرَة الْجِمَاع , وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَ يَطُوف عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَة بِغُسْلِ وَاحِد وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَة اِمْرَأَة , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَاب الْغُسْل , وَيُقَال إِنَّ كُلّ مَنْ كَانَ أَتْقَى لِلَّهِ فَشَهْوَته أَشَدّ لِأَنَّ الَّذِي لَا يَتَّقِي يَتَفَرَّج بِالنَّظَرِ وَنَحْوه . وَفِيهِ جَوَاز الْإِخْبَار عَنْ الشَّيْء وَوُقُوعه فِي الْمُسْتَقْبَل بِنَاء عَلَى غَلَبَة الظَّنّ فَإِنَّ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام جَزَمَ بِمَا قَالَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَنْ وَحْي وَإِلَّا لَوَقَعَ , كَذَا قِيلَ . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : لَا يَظُنّ بِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ قَطَعَ بِذَلِكَ عَلَى رَبّه إِلَّا مَنْ جَهِلَ حَال الْأَنْبِيَاء وَأَدَبهمْ مَعَ اللَّه تَعَالَى . وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : فَإِنْ قِيلَ مِنْ أَيْنَ لِسُلَيْمَان أَنْ يُخْلَق مِنْ مَائِهِ هَذَا الْعَدَد فِي لَيْلَة ؟ لَا جَائِز أَنْ يَكُون بِوَحْيِ لِأَنَّهُ مَا وَقَعَ , وَلَا جَائِز أَنْ يَكُون الْأَمْر فِي ذَلِكَ إِلَيْهِ لِأَنَّ الْإِرَادَة لِلَّهِ وَالْجَوَاب أَنَّهُ مِنْ جِنْس التَّمَنِّي عَلَى اللَّه وَالسُّؤَال لَهُ أَنْ يَفْعَل وَالْقَسَم عَلَيْهِ كَقَوْلِ أَنَس بْن النَّضْر ” وَاَللَّه لَا يُكْسَر سِنّهَا ” وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون لَمَّا أَجَابَ اللَّه دَعَوْته أَنْ يَهَب لَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَد مِنْ بَعْده كَانَ هَذَا عِنْده مِنْ جُمْلَة ذَلِكَ فَجَزَمَ بِهِ . وَأَقْرَب الِاحْتِمَالَات مَا ذَكَرْته أَوَّلًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق . قُلْت : وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون أُوحِيَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ الِاسْتِثْنَاء فَنَسِيَ الِاسْتِثْنَاء فَلَمْ يَقَع ذَلِكَ لِفِقْدَانِ الشَّرْط , وَمِنْ ثَمَّ سَاغَ لَهُ أَوَّلًا أَنْ يَحْلِف . وَأَبْعَدَ مَنْ اِسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَاز الْحَلِف عَلَى غَلَبَة الظَّنّ . وَفِيهِ جَوَاز السَّهْو عَلَى الْأَنْبِيَاء , وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَح فِي عُلُوّ مَنْصِبهمْ , وَفِيهِ جَوَاز الْإِخْبَار عَنْ الشَّيْء أَنَّهُ سَيَقَعُ وَمُسْتَنَد الْمُخْبِر الظَّنّ مَعَ وُجُود الْقَرِينَة الْقَوِيَّة لِذَلِكَ . وَفِيهِ جَوَاز إِضْمَار الْمُقْسَم بِهِ فِي الْيَمِين لِقَوْلِهِ : ” لَأَطَّوَّفَن ” مَعَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ” لَمْ يَحْنَث ” فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اِسْم اللَّه فِيهِ مُقَدَّر , فَإِنْ قَالَ أُحُد بِجَوَازِ ذَلِكَ فَالْحَدِيث حُجَّة لَهُ بِنَاء عَلَى أَنَّ شَرْع مَنْ قَبْلنَا شَرْع لَنَا إِذَا وَرَدَ تَقْرِيره عَلَى لِسَان الشَّارِع , وَإِنْ وَقَعَ الِاتِّفَاق عَلَى عَدَم الْجَوَاز فَيَحْتَاج إِلَى تَأْوِيله كَأَنْ يُقَال لَعَلَّ التَّلَفُّظ بِاسْمِ اللَّه وَقَعَ فِي الْأَصْل وَإِنْ لَمْ يَقَع فِي الْحِكَايَة , وَذَلِكَ لَيْسَ بِمُمْتَنِع , فَإِنَّ مَنْ قَالَ : وَاَللَّه لَأَطَّوَّفَن يَصْدُق أَنَّهُ قَالَ لَأَطَّوَّفَن فَإِنَّ اللَّافِظ بِالْمُرَكَّبِ لَافِظ بِالْمُفْرَدِ , وَفِيهِ حُجَّة لِمَنْ قَالَ : لَا يُشْتَرَط التَّصْرِيح بِمُقْسَمِ بِهِ مُعَيَّن , فَمَنْ قَالَ أَحْلِف أَوْ أَشْهَد وَنَحْو ذَلِكَ فَهُوَ يَمِين وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّة , وَقَيَّدَهُ الْمَالِكِيَّة بِالنِّيَّةِ , وَقَالَ بَعْض الشَّافِعِيَّة لَيْسَتْ بِيَمِين مُطْلَقًا . وَفِيهِ جَوَاز اِسْتِعْمَال لَوْ وَلَوْلَا , وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي بَاب مُفْرَد عَقَدَهُ لَهُ الْمُصَنِّف فِي أَوَاخِر الْكِتَاب . وَفِيهِ اِسْتِعْمَال الْكِنَايَة فِي اللَّفْظ الَّذِي يُسْتَقْبَح ذِكْره لِقَوْلِهِ ” لَأَطَّوَّفَن ” بَدَل قَوْله لَأُجَامِعَن . ‏

Leave a comment